هناك حالات عديدة قد يحس فيها الأبوان بشعور دائم من الإثم بالنسبة لواحد من أطفالهما. فهناك الأم التي تذهب إلى العمل قبل أن تقتنع في قرارة نفسها كل الاقتناع بأن ممارستها العمل لا تؤدي إلى إهمال طفلها، والأبوان اللذان يعاني طفلهما من مشكلة بدنية أو عقلية، أو اللذان يكونان قد تبنيا طفلاً وتتملكهما فكرة تقديم أكثر مما يستطيعان له لكي يبررا أخذه من أبويه الأصليين، وهناك الوالدان اللذان نشآ نشأة اقترنت بقدر كبير من استياء والديهما منهما بحيث يتملكهما شعور دائم بالإثم إلى أن يتأكد من براءتهما.
وقل مثل ذلك عن الوالدين اللذين درسا في الجامعة علم النفس الخاص بالأطفال، أو اللذين يعرفان كل شيء عن مخاطر الموضوع ومنزلقاته ويريدان على الرغم من ذلك كله أن يأتيا عملاً خارقاً للطبيعة بسبب ما يتمتعان به من علم وخبرة.
ومهما يكن سبب الشعور بالإثم، فإنه يقف حجر عثرة في وجه تنشئة الطفل تنشئة سهلة ميسرة. فالأم - أو الأب - تميل إلى أن لا تكلف طفلها إلا النزر اليسير، وأن تفرض على نفسها أكثر ما يستطاع (من المنطق هنا أن نتحدث عن الأم لأنها عادة أشد التصاقاً بأمر العناية بالطفل، ولكن الشيء نفسه قد يصدق على الأب أيضاً). وكثيراً ما تحاول الأم أن تتحلى بالصبر والرقة على الرغم من أنها تكون في حقيقة الأمر قد كادت تصل إلى مرحلة الانفجار، وأن الطفل قد بدأ يبالغ في سوء تصرفه وفي مطالبه، بحيث غدا يحتاج إلى تأديب حتمي. وكثيراً ما تمارس الأم مع طفلها ميزة التساهل حين يتطلب الأمر الشدة.
فالطفل، كالراشد، لا يخفى عليه الأمر حين يتجاوز الحد في سوء تصرفه حتى ولو حاولت أمه أن تغض النظر عن تلك التصرفات. وهو في هذه الحالة يشعر في قرارة نفسه بالإثم، ويود أن أحدهما يوقفه عند حد. ولكن إذا لم يوقفه أحد عن ذلك فإن تصرفاته تزداد سوءاً، وكأنما هو يتساءل في نفسه "إلى أي مدى يجب أن أمضي في سوء التصرف قبل أن يتصدى أحد لمنعي من التمادي"؟
وفي نهاية المطاف تبلغ تصرفاته من الاستفزاز حداً ينفذ معه صبر أمه، وعندها تأخذ في تعنيفه أو معاقبته فيعود السلام إلى المنزل. ولكن مشكلة الأم التي تعاني من الشعور بالإثم، تنبثق من أنها تحس بخجل بالغ من فقدان سيطرتها على نفسها. ولذا فهي بدلاً من أن تترك الأمور تأخذ مداها، تحاول أن تعوض الطفل عمّا أنزلته به من عقاب، أو حتى تتركه يتولى هو عقابها.
وقد تسمح له بالرد عليها ساعة معاقبته أو قد تتوقف عن العقاب قبل انهائه أو قد تتظاهر بأنها لا تراه عندما يعود إلى سوء التصرف من جديد. ولعلها في بعض الحالات، إذا لم يبادر للانتقام لنفسه تروح تستفزه أو تحثه على إعادة فعلته التي عاقبته عليها، دون أن تدرك بالطبع ما تقصده من ذلك.
وكثيرون من الآباء والأمهات ممن يتمتعون بضمائر حية يتركون للطفل أحياناً حرية التخلص من رقابتهم إذا ما شعروا أنه أهملوه أو ظلموه. ولكنهم سرعان ما يستعيدون توازنهم. ومهما يكن من أمر فعندما تقول الأم: "كل شيء يفعله هذا الطفل أو يقوله يضايقني ويثير غضبي"، فهذا يشير إلى أنها تشعر شعوراً قوياً بالإثم، وانها دائمة الخضوع له والاستجابة له، الأمر الذي يجعل رد الفعل لدى الطفل استفزازياً على الدوام. إذ لا يمكن للطفل أن يضايق أمه إلى هذا الحد بدون سبب. فإذا استطاعت الأم أن تحدد الظروف التي تتساهل فيها كثيراً تجاه طفلها وكفت عن ذلك وأخذت بالتالي تتشدد في تأديب الطفل في هذه الظروف نفسها فقد يسرها أن تكتشف أن سلوك طفلها لم يتحسن وحسب، بل زادت سعادته عن ذي قبل، وأن حبها أخذ يزداد وأنه هو بدوره أخذ يشاطرها هذا الشعور بالمحبة.
منقول لدكتور خالد المنيع
تحياااااااااااااااااتي زورق الحب